lشهد التاريخ عدداً من حالات استخدام الحذاء كأداة لرفض سياسة معينة، أو مواجهة محتل مقيت، أو التخلص من ندٍ شرس.فأقدم
الروايات في هذا الخصوص تخبرنا عن الإمبراطور الروماني السفاح “كاليجولا”،ذلك الاسم الذي يعني “الحذاء الصغير”،حيث
كان ،أي كاليجولا صغير القدمين ولكن طويل الذراعين واللسان. وكان قاتلا دمويا، يجد متعة في قتل أعز أصدقائه وهو يتناول
غداءه أو عشاءه،مستعيناً أحيانا بحذائه. وقد كانت نهايته،كسلوكه،مريعة،فتكاثر عليه خصومه وقتلوه.
والتاريخ يخبرنا كذلك،بقصة شجرة الدر المصرية التي قتلت زوجها عندما عرفت أنه سوف يتزوج.. وجاءت الزوجة القديمة
وقتلت شجرة الدر بالقباقيب وألقت بها عارية تماما عند القلعة ووضعت حذاءها في فمها!. ونبقى في مصر ليعلمنا مؤرخي ثورة
يوليو 1952 أنها بدأت أعمالها بضرب السنهوري باشا في دار القضاء “بالجزمة”!. وتتواصل حكاية الأحذية،وأشكال
استخدامها،لنصل إلى ما قام به الزعيم السوفيتي نكيتا خروتشوف في العام 1959 والذي قام بضرب حذائه على منصة الأمم المتحدة
وذلك بعد أن قاطع كلمته ممثلي أميركا وبريطانيا.خرتشوف لم يجد سلاحاً لإسكاتهم سوى بحذائه تعبيراً عن احتقاره لهم.كما أن
غروميكو وزير خارجيته الذي أصابه الحرج من زعيمه لم يتمالك نفسه هو الآخر،فأخذ بخلع حذاءه وضربه على الطاولة أمامه.
ونعود إلى مصر،لسرد العديد من المواقف المشهودة والمتعلقة بـ”الجزمة”أشهرها واقعة مجلس الشعب بين زكي بدر وزير الداخلية
الأسبق وطلعت رسلان عضو المجلس ، وفيها سب رسلان وضرب بدر “بجزمته” أمام مرأى الكثير من النواب ورئيسهم رفعت
محجوب.وجاء عام 2006 ليستحق عن جدارة أن نطلق عليه عام “الجزمة” فقد حظي في شهوره الستة الأولي بثلاث وقائع بدأها
مهدي عاكف مرشد الإخوان في أحد أحاديثه الصحفية بإشارته إلى ضرب المعارضين للإخوان بعد سنوات من الآن بالحذاء.
وتتابع مسلسل “الجزم” في مصر،فجاءت واقعة طلعت السادات وأحمد عز لتعيد إلى الأذهان أمجاد”أحذية” مجلس الشعب
الموقر، بينما كان ختامها “مراً” حيث قام مرتضي منصور برفع “جزمته” أمام مندوب رئيس الجمهورية وحسن صقر رئيس
المجلس القومي للرياضة.”جزمة” مرتضي لم تكن مصوبة في وجه المسؤولين الكبيرين فحسب،بل على الهواء مباشرة لتكون
أخطر واقعة “حذائية” في تاريخ مصر الحديث.
وكان للفن نصيباً من “الأحذية”. فمخرج فيلم “ليلة البيبي دول” المصري عادل أديب لم يكتف بفيلمه الخالي من الطموح
الفني،وفق رأي كثير من نقاد الوطن العربي، ولكنه أدى أثناء التسجيل معه لعدد من القنوات الفضائية وقت افتتاح الفيلم مشهداً
تمثيلياً استعراضياً لم يكن يتوقعه أحد. فعندما سُئل عن رسالة الفيلم المعادية لأميركا ولسياسة الرئيس جورج بوش في الشرق
الأوسط انحنى وخلع حذاءه وقال أمام الكاميرات: “أميركا وبوش هنا”، مشيراً إلى حذائه (وهو تعبير يلجأ إليه المصريون
للتأكيد أن فلاناً هذا لا يساوي شيئاً، إذ يقولون بالعامية إنه على جزمتي؟!). في هذه الحالة أضاع أديب فرصة ما تبقى من
أهمية للفيلم ليكتفي برفع حذائه.وتستمر فصول حكاية “الحذاء” من بلد الكنانة مصر إلى بلد الرشيد العراق. فكثير من
سكان العالم لا زال يتذكر مشاهد إسقاط تمثال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في ساحة الفردوس،لينهال بعد ذلك مئات من
العراقيين بالأحذية على هذا التمثال. وأشتهر في تلك الفترة “أبو تحسين” الذي ظهر على شاشة الفضائيات، وهو ينهال ضربا
بنعله على ما تبقى من تمثال صدام حسين، حتى تحول إلى مضرب المثل،فأصبح يقال” كحذاء أو نعل أبو تحسين”.
ولم يكن استعمال الحذاء حكراً على المصريين أو العراقيين أو السوفييت أو حتى الرومان في العهد الغابر.بل كان للفلسطينيين من
خلاله وسيلة للذود عن مقدساتهم،حيث أنهم تصدوا لقوات الاحتلال الإسرائيلي التي اقتحمت الحرم القدسي بأحذيتهم التي لم يجدوا
سواها دفاعاً عن ثالث الحرمين الشريفين. ومرة أخرى فعلوها عندما رشقوا بأحذيتهم وزير خارجية مصر الأسبق أحمد
ماهر ،وذلك كتعبير عن غضبهم لقيامه بزيارة المسجد الأقصى في شهر رمضان من عام 2003 بعد ساعات من لقائه بأرئيل شارون
رئيس وزراء إسرائيل وقتذاك. وتنوعت مآرب استخدام “الحذاء” سواء أكان ذلك فعلاً أم تصريحاً.فبل أقل من شهرين ذكر
الرئيس السوداني عمر حسن البشير في خطابه الحماسي بدارفور: “إن أميركا وبريطانيا وفرنسا تحت حذائي”. ولحسن حظه
أن الحذاء ليس مصطلح شتيمة مؤذيا في الغرب، بعكس استخداماته في ثقافتنا التي لو قالها في حق أي دولة عربية أو أي زعيم
عربي،ربما لقامت حرب بسببها.
ولم تكن أميركا ،كذلك خارج السرب في قصص الأحذية وطرائفها. فقد أجاب أحد الصحافيين عندما سئل عن الفرق بين مرشحي
الرئاسة الأمريكية عام 1960، جون كينيدي، وريتشارد نيكسون، قائلا إنهما متشابهان مثل فردتي حذاء.وقبل أن نقفل مسلسل
الاحذية عالمياً،لن ننسى التذكير بالذبابة التي استوطنت في رأس نمرود الذي كان في زمن النبي ابراهيم عليه السلام،وكان غير
مؤمن بالله ويعذب من التجأ الة الله. وقد كانت تلك الذبابة لا تهدأ الا اذا ضرب بالحذاء.
قد تكون هذه الوقائع غيضاً من فيض مما يحصل في عالم الأحذية وطرق استخدامها،ولكن ما أوردناه من حالات تمثل الأبرز والأكثر
شهرة في العالم. أما الأشهر فهو حذاء الصحافي العراقي “منتظر الزيدي” الذي أراد أن يقدم لرئيس الدولة التي غزت واحتلت
بلده هدية انصرافه من سدة الحكم،فلم يجد سوى حذائه الذي سيدخل التاريخ أشهر وأغلى حذاء على الإطلاق. الأشهر لأنه قُذف
نحو وجه من يرى في نفسه “مرسلاً” من الرب ليبث السلام ومطاردة”الإرهابيين” كما ذكر مراراً،فجاءت هذه الصفعة البسيطة
في أسلوبها والعظيمة في رمزيتها وقدوتها،كما في اهانتها لتبرهن أن هذا “المرسل المزيف” ما هو إلا جسد تتقاذفه الأحذية كما
تقاذفته حبات البندورة والبطاطا والكيك في سياتل وغيرها.
أما “الحذاء الأكثر سعراً” لأنه سيكون في نظر الأحرار في هذا العالم “حذاء القديس” الذي استرد صاحبه،ليس للعراقيين
المضطهدين،أو للفلسطينيين المجروحين أو للعرب المقهورين ،بل لكل من هو مظلوم من “إمبراطورية العار” المسماة أميركا.
تلك الدولة المارقة التي لم يكن رئيسها “بوش الصغير” سوى رجل مافيا لا يجيد إلا أبجديات القتل والتدمير وترويع الأمنيين
والأطفال في كثير من دول هذا العالم .وسيبقى الحذاء الأغلى مالياً أيضاً،فها هم الأحرار من أغنياء عالمنا يتنافسون على
شراء “الحذاء العظيم” الذي رأوا فيه سلاحاً مهيناً ومذلاً لأكبر رئيس دولة في العالم،تلك الإمبراطورية التي أخذت حجارتها
تتراخى،وقوتها تتشظى،واقتصادها يتفكك.لم يكن “منتظر الزيدي” وهو يقذف “الشيطان الأكبر” كما نعته المرشد الأعلى للجمهورية
الإسلامية الإيرانية على خامنئي،يفكر بعقوبة السجن أو الضرب أو حتى الإعدام،بل كان كل همه منصباً حول إراحة نفسه ونفس
كثير من سكان هذا الكوكب المظلوم أميركياً.تلك النفوس التي لم يعد فيها مساحة للألم والمعاناة ،بعد أن أصبح جرح أبناءها
أعمق وأوسع من مساحة بلادهم المحتلة أو المضطهدة .
الحديث عن مسلسل الاحذية يبدو طويلاً ومضحكاً أحياناً وفي آحايين آخرى محزنة، وفيها كثير من الرسائل . وفي “رسالة
حذاء الزيدي” هنالك الكثير من الرسائل أهمها: أن الضعيف،وإن لم يكن بيده سلاح قوي أو ثقيل فإنه لن يعدم وسيلة لاهانة
الظالم ولو كان أكبر زعيم في العالم،وفيها رسالة أن في هذه الامة أحرار وشرفاء مثل الزيدي،يستطيعون أن يلقنوا كل ظالم درساً
مهيناً. وفي هذا الحدث أيضاً رسالة تؤكد أن الامة العربية والاسلامية وكل أحرار العالم يداً واحدة ضد الظالمين،كانوا عرباً أو غيرهم.
حذاء الزيدي قد يتحول نموذج وقدوة لكثير من أحذية الشرفاء. ولن يخسروا هؤلاء ثمن حذاء أو حتى أرواحهم طالما أنهم وجدوا في
هذه الارض ليدافعوا عن المحرومين والمظلومين.اثمن دور الزيدي واقدر حذائه الذي تحول الى أشهر حذاء في الارض.
ملحوظة سريعة: لم ولن أدعو يوماً الى العنف،فدعوتي هنا الى رجم كل ظالم ومحتل لم ولن تكن عنفاً أو “ارهاباً” كما يحلو
للبعض وصف وتوصيف ذلك. دعوتي هي أن الحذاء مثل تاريخاً إما لاضطهاد المظلومين أو لاهانة الظالمين. فلماذا لا يكون هذا
السلاح البسيط في حجمه سلاحاً أخطر من السلاح النووي.ربما ستتكاثر الاحذية الطائرة نحو الظالمين …فلتكن…