هناك نكتة !
أن أحد كبار السن كان يمازح حفيده ويقول : "يا وليدي .. العالم ما فيه الصاحي .. ثم يصمت قليلاً ويقول إلا العرب والمسلمين .."
وبعد ثواني يفز من مكانه ويقرر : ولا كل العرب والمسلمين صاحين !
ويبدأ بتنقيص الدائرة .. حتى يوصلها لإخوانه فقط !
وفي الأخير .. يقرر الكبير بأنه لا يوجد على الأرض شخص صاحي سواه .. وبقية المليارات من البشر نيام !
هذه القصة الرمزية التي نسمعها منذ صغرنا .. أتذكرها كلما جاء شخص ورمى بلاذع نقده الغير هادف .. وكأنه يريد أن يصرح في الأخير بما صرّح به صاحبنا لحفيده !
الفطرة الإنسانية .. مجبولة على النقص !
ومع ذلك .. فهناك كمال بشري يسعى له الجميع .. وهو الذي يعتريه نقص غير مخل بالأساسات ..
لكن !
أستغرب ممن همه في الدنيا .. النقد والسخرية والشماتة .. والاستهزاء !
هذا شخص مغرور .. يريد أن يقول بطريقة أخرى أنه هو الكامل وما سواه ناقص .. فمدح الذات لا يأتي إلا بطريقتين إما بأن تمدح ذاتك بشكل مباشر .. أو أن تسخر بمن حولك حتى تقول بطريقة غير مباشرة أنك أفضل منهم !
لماذا أصبح هم الناس أجمع .. البحث عن النقد ولم يجرؤ أحدٌ منهم يوماً أن يثني على من أبرز المحاسن !؟
بعضهم هكذا .. طيلة عمره مرتكز على كل شيء سلبي .. ولو مرة تهورتَ وذكرتَ له أي أمر حسن لكان الجواب جاهزاً .. أين هو من زمان ؟! ولا يدري أو يتناسى أن من يأتي متأخراً خير مِن مَن لا يأتي !
يغيض المرء بحق حين لا يقرأ لهذا الكاتب إلا النقد الغير بناء .. فهو يأتي ليسخر ويتكلم باستهجان وليته يضع الحلول ويطرح البدائل ويعين حال دعوته .. لا !
بل هو الناقد البصير .. وهو المتمعن بالأمور وهو الفاهم وغيره لا يفهم وهو العارف وغيره جاهل ..!
هؤلاء هم آخر الناس عملاً .. هم آخر البشر إنتاجاً ..!
لسان .. وقلم يكتب به .. وفقط !!
ولو سألته عن إنجازاته لبلده الذي أشبعه نقداً .. أو وطنه الذي أغرقه شتماً .. لكان الفراغ والصمت جوابه !
عجبي .. ممن أمضى عمراً مديداً في تتبع الزلات وعدم إقالة العثرات .. كل عمل معرض للنقص .. وليتنا ننهج الطريق الصحيح لتعديل النقص بمراسلة المسئول أو توجيه النصيحة وفق المنهج الإسلامي المعروف .. لا !
هذا .. أجهل من أن يرد عليه أو يظهر له الصواب ..
وضعنا .. يحتاج لأن نشمر عن سواعدنا عملاً ومساعدة ونغلق أفواهنا إلا عن القول السديد المفيد الناصح لا الفاضح … المثمر لا المخذل ..
إن لم تقل كلمة حسنة .. فسكوتك عن قول الخطأ حسنة منك على نفسك !
والبعض الآخر .. لا يتجه للنقد المخصص لشخص بحد ذاته هروباً من الإثم وألا يحاسب على كلامه ( بظنه ) بل يتجه لنقد العموم .. نقداً يراد منه الخصوص !!
أين نحن من قوله صلى الله عليه وسلم .. من قال إن الناس قد هلكوا فهو أهلكهم .. جاءت برواية بالفتح ( أي أوقعهم بالهلاك ) وأخرى بالضم .. أي أكثرهم هلاك !
النقد الغير موضعي والذي لا يتكأ على أساس صحيح ويكون مقصده التصحيح .. السكوت عنه أفضل من إبرازه .. لأنه لا يزيد الطين إلا بلة ولا يعدّل من الوضع ولا ينفع !
أرجع وأقول .. بأن من يمدح نفسه مباشرة .. عندي خير ممن يسب الآخرين ليقول أنه هو الكامل فقط !
فصاحبنا .. كبير السن .. هو خير من الكثير من كتابنا .. على الأقل قالها صريحة .. بأنه هو الصاحي .. ونحن جميعاً .. نيام !