أبتسم ( طحنون ) ابتسامةً تنم عن الفهاوة وبدأ في حك شعره وهو يقول مستدلخاً : أصبر .. كأني قد مر علي قبل كذا بيت الشعر ذا .. المهم كمل وش المشكلة ؟ .. ضربته على رأسه وأنا أضحك وقلت : يا درج مهوب بيت شعر ذا .. وبعدين من جدك أنت تسأل وش المشكلة ؟؟ .. يا غبي واضحة جداً .. هالمثل يوريك أن الحريم ما عندهم سالفة ويضيعون وقتهم على أشياء تافهة مهوب مثلنا <<— الله يحلل غباء طحنون عندك يا شيخ
سحبت جريدة قد ألقيت على المرتبة وبدأت في القراءة ولم يطل الوقت إلا و ( طحنون ) يناديني قائلاً : ترانا وصلنا
* * *
في المستشفى وفي غرفة التحليل بالتحديد .. يأخذ الطبيب عينة من دمي كي يعرف ما إذا كان بي فقر دم أم لا ؟! .. يضع الطبيب العينة في الجهاز وبعد عدة لحظات خاطب ( طحنون ) الطبيب بعد أن احتضنني وأمسك بيدي : هاه بشرنا يا دكتور تكفى .. المدام حامل ؟؟ . يدقق الطبيب في النتيجة لوهلة ثم يقول : لا ما شاء الله .. نسبة الحديد عندك عالية , يعني ما عندك فقر دم وتقدر تتبرع .. وضعت يدي في فمي كناية عن الدلع والتميلح ثم أردفت بخجل : طيب يا دكتور لو كانت نسبة الحديد قليلة كنت ما راح أتبرع يعني ؟!
قطع خجلي المتصنع كلام ( طحنون ) : أترك عنك الخوف يا مستر .. ومن الأخر يعني وعشان أكون معك صريح أنت متبرع متبرع اليوم الله لا يعوق بشر.. تدري لو كانت نسبة الحديد عندك شوية وش كنت بخليك تسوي ؟؟ .. كنت بخليك تعضض كل بيبان المستشفى وجنوط السيارات حتى !! .. يبتسم الطبيب ومن ثم يرتدي نظارته ويقول : لا يا أخ طحنون الحديد اللي تتكلم عنه غير اللي حنا نتكلم عنه .. الحديد اللي نتكلم عنه هو عبارة عـ….
وقبل أن يكمل الحديث إذا بي ( طحنون ) يضع يديه على نظارة الطبيب ويبدأ في تلميسها بتعجب .. يغضب الطبيب ويستطرد مستهجناً : ممكن أعرف وش تسوي يا أخ !! .. يجيبه ( طحنون ) بوجهٍ مبتسم : لا ابد يا دكتور بس كنت بشوف هل هي حديد وإلا لا ؟ .. لأن واحد من الشباب عنده نقص في الحديد وجالسين ندور له .
* * *
خرجنا من غرفة الطبيب واتجهنا إلى مختبر سحب الدم .. حين دخولنا للمختبر رأينا شيئًا غريباً يتحرك .. اقتربنا منه فإذا به كومار قد أتى بكشكه إلى المختبر كي يبيع للمتبرعين وها هو يلوح بيده كالعادة .. اضطجعت على السرير و وقف بقربي ( طحنون ) فقال : يا أخي مدري ذا الكومار المفروض يدخل موسوعة قينيس كـ أكثر واحد حرك يده في العالم .. أو على الأقل يعطونه دور بطولة في دعاية بطاريات " إنرجايزر " اللي تدوم تدوم وتدوم .
يقترب مني الممرض وهو يحمل في يده الإبرة : هاه يا أخ مستر .. مستعد ؟؟ .. نظرت إلى حجم الإبرة التي في يده وخاطبته بخوف شديد : ايه مستعد بس الله يخليك لا تقويها مابيها تعورني .. ضحك ( طحنون ) وقال : وش اللي لا تقويها بعد أنت !! .. ناقص بس نحط لك قرنين وتلبس على ظهرك شنطة عليها صورة " فلّة " عشان نسميك هدى وتروح تدرس في مدرسة البنات حقتك ذي وتتحقق أحلامك .
يضحك الممرض ويضع الإبرة على يدي وهو يقول : لا إن شاء الله ما راح تعورك يا أخ مستر .. أغمضت عيني وسألته بخوف : هاه خلصت ؟؟ .. تنحنح ( طحنون ) ومن ثم تكلم بصوتٍ غريب مقلداً صوت الممرض : للأسف يا أخ مستر .. اكتشفنا أن جسمك مليان حديد وكل ما حاولنا نضربك إبره تنعفط .. لذا يا بنوديك للحداد يتفاهم معك , يا بنبيعك على سابك .
يضحك الممرض مرةً أخرى ثم يقول : خلاص يا أخ مستر ضربتك الإبرة وخلصت .. بس كل اللي عليك هو أنك تصبر شوي عشان ينسحب منك الدم !! .. فتحت عيني وأنا مرتاح لكوني قد انتهيت من الجزء الصعب فإذا بي أتفاجاء برؤية ( طحنون ) أمامي وقد أمسك في يده عدد كبير من أكياس التبرع وهو يقول للممرض : يلا بسرعة بالله .. أول ما يمتلي الكيس الموجود عب الثاني بسرعة .. يلا وش تنتظر ورانا أكياس كثيرة عشان نعبيها .. قاطعته بغضب : وش اللي خل نعبيها كلها !!..حسيتك باكستاني واقف عند برادة مسجد وجالس يعبي جيكات .
وضع الممرض كرة مطاطية في يدي ثم طلب مني أن أضغط عليها باستمرار كي أحافظ على تحرك هذاك اللي وشسمه ياربيه ( واضح اني توهقت ) .. ما أن ابتعد الممرض إلا و ( طحنون ) يلتفت إلي ويقول : يلا .. بسرعة.. بسرعة.. بسرعة !! .. نظرت إليه بريبة واستفهمت منه : شفيك ؟ .. وش صاير ؟؟ .. وش تبيني اسوي الحين أنت ؟؟
نظر إلي نظرات جادة ثم قال : أثن رجلك اليمين بعدين مدها لمدة خمس دقايق .. سألته بدهشة وأنا أثني قدمي : ليه وش فايدة تحريك الرجل يا طحنون ؟؟ .. أبتسم في وجهي ثم أردف : ابد بس كنت أبي الدم اللي في مخك يتحرك .. أمزح معك يا أخوي .. المهم أسمعني ترى على سدحتك على ظهرك ذي بتطول وما راح تخلص .. وش رايك تنسدح على جمبك اللي جهة الكيس عشان ينزل الدم بسرعة ؟.. وبعدين تعال ليه دمك أسود كذ ؟!
سألته وعلامات الخوف بدأت تظهر على محياي : ليه وش فيه لون دمي .. مهوب طبيعي كذا ؟؟ .. أصلاً أنا مخليه أسود طقم مع فرشة أسناني ( والله من زين التصريفة ) .. وضع ( طحنون ) يده على ذقنه وبدأ بالتفكير لأول مرة في حياته ثم قال : والله مدري موضوعك محير .. عموماً أتوقع أنه من كثر الحديد اللي في جسمك صار أسود.. أو أنك تكثر أكل كفرات بين الوجبات ؟؟ .. تدري بروح أقول للمرض يجيب فلتر تصيفة عشان نصفي دمك قبل لا ياخذونه .. بيني وبينك أحس فيه نشارة حديد يا أخي
يمر الممرض مروراً سريعاً كي يتأكد من أن كل شيء على ما يرام فإذا بـ ( طحنون ) يسأله بنبرة خوف : هاه بشّر يا دكتور .. بيعيش طبيعي وإلا بنضطر نضحي براسه المثلث ؟؟ .. غضبت من أفعاله التي قد زادت عن حدها وقلت له : تدري الشرهه مهيب عليك ؟! .. الشرهه علي أنا اللي جاي معك أصلاً .. وع ما أحبك وخر عني
أقترب ( طحنون ) مني ووضع يده على خصلات شعري وقال لي بلطف : أنا يا ( مستر أي ) أحاول أونسك وأنسيك خوفك من الإبرة والتبرع بشكل عام .. التبرع يا مستر شيء مهم جداً بس للأسف محد يقدر هالشيء أو ينظر له نظرة جادة .. كثير منا لما يشوف باص التبرع بالدم موقف في الشارع يقول لزميله : هاه شرايك .. تبي عصير ؟؟
ياما ناس ماتت في المستشفيات وكله بسبب عجز في توفر الدم اللازم !! .. يا مستر أنت لما تتبرع لك أن شاء الله الأجر أولاً وثانياً يمكن تفيد أحد من أقاربك يكون مصاب أو شيء لا قدر الله !! .. هذا غير الفوائد اللي تعود لجسمك مثل تقليل نسبة الحديد والمساعدة على عدم تراكمه في الشرايين وتدني نسبة الإصابة بالنوبات القلبية حمانا الله وإياكم منها
ذهلت من كلام ( طحنون ) والذي أظنه قد نقل من قووقل .. نظرت إليه نظرات امتنان ثم اردفت : أنا أسف يا طحنون أني عصبت عليك .. وأحب أشكرك على تشجيعك لي وعلى حرصك .. بصراحة لو فيه مثلك كثير يتبرعون كان بنوك الدم اللي في المستشيفات تعطي قروض من كثر المتبرعين .
يبستم ( طحنون ) بخبث : ومن قال لك إني متبرع أصلاً ؟ .. أنا يوم أروح أطلع الرخصة جبت واسطة وطلعوها لي بدون ولا قطرة دم على فكرة